Sign In

في ذكرى إنشاء روما.. نظرة على المدينة التي سيطرت على العالم القديم

في ذكرى إنشاء روما.. نظرة على المدينة التي سيطرت على العالم القديم

في أبريل تحتفل روما بذكرى إنشاءها، فلم تكن مدينة روما مجرد مكان يقع في العالم القديم، ولكنها كانت مركزاً من مراكز الحضارة، وهي الإمبراطورية الرومانية، وتعرف العالم على أثر وجود روما القديمة من خلال ما اكتشف من حفائر أثرية فوق تلالها، دلت على وجود مجتمع رعوي بدائي فوق تل بلاتينوس، والتي يمكن تأريخها إلى 750 قبل الميلاد.ولكن علينا الإشارة إلى أن التاريخ الموضوع تحديداً لنشأة مدينة أو مكان ما، صعب تحديدها بشكل دقيق، خاصة المرتبطة بمجتمع مثل اليوناني أو الروماني، القائم على الأساطير القديمة والتي لا تخضع لعلم التاريخ والآثار، وذلك ما قاله المؤرخ الإنجليزي “دي دادلي”، والذي أكد أن ربما تاريخ إنشاء مدينة روما محض تخمين.وفي ضوء ذلك نلقي الضوء على روما وحضارتها التي امتدت لسنوات طويلة، من خلال كتاب “تاريخ روما القديم” للدكتور محمود إبراهيم السعدني أستاذ التاريخ والحضارة في كلية الآداب، والصادر عام 1997.ونوه الكاتب في بداية حديثه عن روما القديمة، إلى أن تاريخ روما ما قبل 510 قبل الميلاد غير مؤكد فهو معتمد على حكايات وأساطير نقلت، لا يمكن تصديقها تماماً أو نكرانها بشكل كامل، ولكن بعد هذا التاريخ كان بداية حقيقية للمدينة وللإنجازات الرومانية العظيمة في ميادين الحرب والسلام.ويقول المؤلف في مقدمة كتابه: “لكي تتكون حضارة تفرض نفسها في منطقتها وتبسط سلطانها على أمم أخرى مجاورة وخارج حدودها الجغرافية وعبر البحار، لا بد وأن تكون قد هيأتها الظروف من كل جانب، بمقومات كانت دعامتها الأساسية لإزدهار ذلك المكان في ذلك الزمان والتوقيت”، أي أن قيام الحضارات ليس أمراً سهلاً أو بسيطاً بل هو ذو متطلبات وقدرات يجب أن تتوفر لهذه الأمة أو غيرها.وتناول الكتاب مميزات مدينة روما التي جعلتها قادرة على تأسيس حضارة مهمة، ضمن حضارات العالم القديم، ومن أهمها كما ذكر المؤلف، هو جغرافيا إيطاليا القديمة، والتي كانت تنقس لقسمين مختلفين تماما، فالإقليم الأول يشمل الجزء الشمالي من إيطالي، حيث تمتد سلسلة جبال الألب والتي يخترقها نهر الرابن والرون، والإقليم الثاني يشمل الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة الإيطالية ويتميز بوجود الشواطيء الطويلة، وبه عدة براكين في إقليم لاتيوم وكمبانيا وإتروريا.ولم تكن البراكين عائق أو أمر سلبي في أرض روما القديمة، بل ساهمت في تكوين تربة زراعية من أجود أنواع الأراضي، فجعلتها صالحة للزراعة، كما أن روما تميزت عن اليونان القديم –آثينا- في كون سواحلها قليلة التعاريج بوجه عام، على عكس اليونان.ورغم أن تضاريس مدينة روما –إيطاليا- لا يسمع بوحدة سياسية لانتشار السلاسل الجبلية في الشمال ووسطها، مما عرقل في البداية عملية الاختلاط والاتصال، إلا أن موقعها وإشرافها على نهر التيبر مكنها من العمل بحرية في كل الاتجاهات وحقق أهدافها التوسعية، وذلك يدل على ذكاء القادة الذين تولوا حكمها مما مكنهم من استغلال مميزات وعيوب موقعهم وعكسها لصالحهم وتمكينهم من قيام حضارتهم.وذكر المؤلف أنه يوجد شبه اتفاق على أن روما أنشأت عام 653 قبل الميلاد لتكون قلعة محصنة للدفاع عن اللاتين ضد عدوان سكان الأتروكسيين –وهم سكان يعيشون شمال نهر التيبر- وربما لم تكن روما إلا نقطة حراسة أمامية في ذلك التاريخ القديم.وانتقلت الكثير من القصص والأساطير حول أسباب نشأة هذه المدينة، ومنها ما ذكره الدكتور إبراهيم نصحي في كتابه تاريخ الرومان الجزء الأول، عام 1971، وهو أن المدينة تأسست كبناء للملاك مارس الإله الخامس لروما، ولكن من أشهر أساطيرها أيضاً أن نشأتها كانت على يد روميليوس في القرن الرابع قبل الميلاد، وهو أحد أحفاد أينياس أحد أبطال حرب طروادة، والذي نزل إلى ساحل إيطاليا بعد هزيمته.ولم يكن المكان فقط هو القادر على تأسيس وتهيئة الأجواء لقيام الحضارة من أرض مدينة روما –الأمبراطورية الرومانية- ولكن الإنسان هو العامل الأهم والأكثر فاعلية، وذكرت كثير من المصادر التأريخية القيم الحضارية والفكرية للإنسان الروماني القديم، والتي ركزت على القوة وأهمية التخطيط.فنجد أن كاتو الأكبر – وهو أحد الشخصيات الرومانية الهامة والصارمة وأدى دور كبير في سياسة بلده، وقال إن الروماني المثال هو الرجل المقدام الفعال، وإن جميع المشروعات والأعمال لا بد أن تحقق غايات مفيدة في الحياة، ويعني أن أي عمل يقدم عليه الروماني يجب أن يكون موجهاً لتحقيق هدف محدد يستفيد منه ويجعل حياته أكثر راحة، وذلك يدل على نظرة الشخصية الرومانية الواقعية والعملية للأمور، والتي تحدها المصلحة والمنفعة، وذلك الفكر هو ما يصنع قادة واضحي الأهداف، موحدي الروح الفكرية، فكان الجيش الروماني يدخل المعارك ليس لأجل غنيمة ما ولكن لتحقيق أهداف علمية واضحة.كما كان ينشأ الطفل في روما القديمة على الصلابة والحياة البرية الصعبة، يقوم الأهل باصطحاب أطفلهم إلى الصيد في البحر والجبال، ويعلمونهم قذف النبال وقطع الأخشاب في الغابات، وذلك ما ذكره أحد أشهر شعراء روما، فرجيل وكان شاعر للقصر الإمبراطوري في عهد أوغسطس، والذي وصف شعب روما في أحد قصائده: “إننا شعب شديد المراس، نحمل أطفالنا إلى الأنهار ونعودهم على قوة الاحتمال في المياه الثلجية وهم في الصبا”، وقال أيضاً: “أنت أيها الروماني، ضع نصب عينيك أن تسود الشعوب بسلطانك فتلك هي رسالتك أن تفرض سنة السلام وتصفح عن المقهورين وتقهر المتجبرين”.ونلاحظ من هذا أن شعب روما كان عكس شعب آثينا، والحضارة اليونانية التي سبقته، حيث كانت الحضارة اليونانية قائمة على الخيال الخصب والإحساس الطيب بالجمال والسعي وراء الكمال، وذلك يظهر واضحاً على فنون كلا العصرين، بما أنها مرآه عاكسة للوضع، ففي حين كانت المسرحيات اليونانية لا تعرض مشهد الدم أو القتل على خشبتها، كان المسرح الروماني يجسد هذه المشاهد بوضوح وأعاد تقديم مسرحيات يونانية مختلفة ولكن بتصوراتهم وفكرهم القوي العنيف، مثل أسطورة أوديب اليونانية.

Related Posts